بقلم: سهيلة صابر
لكلٍ منّا رحلةٌ طويلة مع التخلص من عاداتِهِ السيئة، والتي لطالما كانت حجرَعثرة في طريقنا للنجاح والتميز.
من منّا لم يرغب في إحداثِ تغيير في حياته عن طريق التخلص من عاداته السيئة ؟ من منّا لم يحاول جاهدًا التوقف عن ممارسة عادةٍ ما سيئة كانت سببًا في ضياع وقته مثلًا؟ أو تدمير صحته؟
لكلٍ منًا تاريخ طويل في محاربة تلك العادات، والاحباطات المصاحبة للفشل في التغيير.
ولكن قبل أن نذكر بعضا من الطرق الفعّالة في التخلص من العادات السيئة، يجبُ أولًا معرفة أسباب الاستمرار في ممارسة تلك العادات.
أسباب الاستمرار في ممارسة العادات السيئة
1- الراحة المصاحبة للممارسة العادة السيئة
علينا أن نعلم أن النفس البشرية دائما ما تبحث عن الراحة في كل سلوكٍ تسلكه، أو بمعنى آخر، الدافع الذي يدفع النفس للقيام بأي عملٍ هو تيقُنِها بأن قيامها بذلك العمل سيجلب لها الراحة، حيث أن الشعور بالراحة يجعل أدمغتنا تفرز هرمون الدوبامين والمسؤول عن الشعور بالسعادة والرضا.
ولذلك عندما تكون العادة السيئة التي نمارسها مصحوبة بشعور الراحة يجعل من الصعب التخلص منها.
2 - ممارسة تلك العادة السيئة من قبل الكثير من الناس
لطبيعة الإنسان في بحثه الدائم عن الاستحسان الاجتماعي يجعله حريصًا في سلك الطرق وممارسة العادات المقبولة اجتماعيًا، ولكن عندما يتبنى هذا الإنسان عادة سيئة ويجد حوله الكثير من الناس يمارسونها يجعل من الصعب عليه الاقلاعِ عنها، لأنه يرى في تلك الحالة أنها مقبولة في مجتمعه.
3 - رفض أدمغتنا للتغيرات بسهولة
كما نعلم أن دماغنا البشري يعشق الروتين ويرفض كل ما هو جديد بالنسبةِ له، فهو يفضل ألا يتكلّف عناءً في التفكير وإنما يسلك طرقًا هو يعلمها من قبل، فعندما نتيقّظ إلى عادة سلبية نمارسها ونرغب في تغييرها واستبدالها بأخرى إيجابية، يرفض دماغنا ذلك ويقاومه بشدة، لأن في ذلك خرقٌ لروتينه الخاص والذي يعتبرهُ من إحدى مقدساته.
وبعد أن تطرّقنا إلى الأسباب التي تجعل من السلوك السيء عادة يصعب التخلص منها، تبقى لنا أن نوضّح كيفية التخلص من تلك العادات السيئة.
كيفية التخلص من العادات السيئة
كما ذكرنا فالتخلص من العادات السيئة ليس بالأمر السهل والمتاح، وإنما هو أمر يصحبه بعضًا من الصعوبة، ولكن ما إن تتخلص من تلك العادات، ستجد أن حياتك أصبحت أسهل وصِرت أقدر على الوصول لأهدافك.
وفيما يلي بعض من المقترحات للتخلص من العادات السيئة.
1 - قم بتحديد العادة السيئة أولًا
قبل البدء في أي تغيير يجب العلم بما يجب تغييره، بمعنى آخر، لا يمكن أن نقوم بتغيير عادةٍ ما دون أن نحددها ونفهمها.
نفهم متى اكتسبناها؟ وبسببِ من؟ ولما نصرّ عليها؟
بدون التحديد الواضح للعادة والفهم الجيد لها ولأسبابها وللمشاعر المصاحبة لممارستها، لن نتمكن من تغييرها.
2 - بدّل العادة السيئة بأخرى إيجابية
غالبًا ما نقوم بممارسة تلك العادات السيئة عند مواجهة ضغطٍ ما أو عند الشعور بالملل، فيجب أن نكون على يقظة من أمرنا في تلك الأوقات لأنها من أكثر الأوقات التي تستدعي فيها أدمغتنا لعاداتها السيئة.
ولا تكفي اليقظة فقط وإنما يجب أن يتبعها ممارسة عادة أخرى إيجابية أولًا لملء فراغ العادة السيئة، وثانيًا لتمرين عقلك على ممارسة تلك العادة الإيجابية وألا يسرع في تلك الأوقات لممارسة عاداته السيئة.
3 - تجنّب الأشياء التي تذكرك بتلك العادة السيئة
مثلًا إن كنت معتادًا على التدخين في الشرفة، فلا تأخذ سجائرك معك عند ذهابك لها، أو إن كنت تُفرط في تناولك للأطعمة السريعة خارج المنزل، فلا تخرج من منزلك قبل أن تأكل حتى الشَبع، حتى لا تضطر لشراء تلك الأطعمة خارجًا.
بمعنى آخر، قم بتغيير العادة بتغيير البيئة المصاحبة لظهورها، بتجنب الأجواء التي تضطرّك لممارستها، فذلك يجعل تغييرها أسهل.
4 - صاحب من يحاول أيضًا التغيير
اقترانك بأشخاص يعانون من عادةٌ ما سيئة ويرغبون في التغيير يسهل عليك الطريق لتغيرها، فمثلًا إن كنت تعاني من التسويف وضياع الكثير من وقتك في ما لا يفيد، ابحث من بين أصدقائك عن من يحاول تغيير تلك العادة، وابدأوا معًا في التغيير، فذلك يسهل عليك الطريق ويحفزك من الوصول، لمعرفتك بأن هناك من ينتظر منك نتيجة.
5 - صاحب من تطمح بأن تشبهه
لا أقصد أنك تتخلى عن صداقاتك القديمة، وإنما حاول أن تقضي وقتًا أطول مع من تراه يمارس العادة الإيجابية التي تطمح في الوصول لها.
فمثلًا إن كنت ترغب في أن تكفّ عن تناول الأطعمة السريعة وأن تكتسب جسمًا رياضيًا، صادق الرياضيين الذين يحرصون بشكل دائم على ممارسة نمط حياة رياضي أكثر الوقت، فذلك سيسهّل عليك من اكتساب عاداتهم في مقابل التخلص من الإفراط في تناول الطعام الغير صحي.
6 - تخيّل نفسك بعد الوصول للهدف المنشود
إن كنت مثلًا شخص يحاول الإقلاع عن التدخين، فتخيلك لنفسك أنّك شخص غير مدخن تمامًا يحفزك على ترك تلك العادة ويكون دافعًا قويًا لتركها.
7 - تقبّل فشلك في محاولة تغيير عاداتك
عند تغيير عادة سلبية واستبدالها بأخرى إيجابية حتمّا ستفشل خاصةً إن كانت تلك العادة قوية و متأصلة في شخصيتك، والمعرفة المسبقة بذلك أقصد الفشل الذي ستواجهه في البداية يجعل من تخطيه أسهل، فبدلًا من أن تجلد ذاتك وتلومها لمجرد أنها فشلت مرة في مواصلة السير على المسار الصحيح، تقبل فشلها أولًا وضع خطة للعودة إلى ذلك المسار ثانيًا، فما من طالبٍ للتغيير إلا وواجه الفشل مرة.
8 - تحلّى بالصبر وواصل السير في التغيير
الممارسة أصلٌ ثابت في إحداث أي تغيير، ولن تستمر على ممارسة سلوك إيجابي تودُّ أن يتحول لعادة إلا بالصبر وتقبل العثرات المتوقع حدوثها في ذلك الطريق من الغيير.
9 - كافىء نفسك عند الوصول لهدفك
لتأصيل أي عادة في شخصيتك يجب أن تعززها حتى يصحبها مشاعر الراحة التي تحدثنا عنها سابقًا، بمعنى أنه عندما تغير من سلوك سلبي كنت تسلكه بآخر إيجابي كافىء ذاتك على ذلك بشيء تحبه، حتى توصل رسالة لدماغك بأن ممارستك لذلك السلوك صاحبه مشاعر إيجابية وشعور براحة، فعندما يريد دماغك أن يشعرك بالراحة مرة أخرى سيجعلك تسلك ذلك السلوك تلقائيًا دون عناءٍ منك.
وبعد أن قمنا بعرض بعضًا من الطرق للتخلص من العادات السيئة وآثارها التي حتمًا تؤثر على حياتنا وأدائنا بشكلٍ عام، تبقى لنا أن نعلم كم من الوقت نحتاجه لترك عادة سيئة والسيطرة عليها.
مدة التخلص من العادات السيئة
كثيرًا ما نتساءل عن المدة التي نستغرقها في الإقلاع عن عادةٍ ما سيئة واستبدالها بأخرى إيجابية، ولحسن حظنا أن كثيرًا من العلماء توصلوا لإجابة تقريبة لذلك التساؤل، وهي أن المدة التقريبية التي نحتاجها لإحداث أي تغيير أو للتخلص من إدمان شيء ما هي ٢١ يومًا.
وذلك ما ذكره العالم ماكسويل مالتز عام ١٩٦٠في أحد كتبه.
الخلاصة
بعد فهِمنا الأسباب المؤدية لاكتساب عاداتٍ سلبية والاستمرار عليها، وطرق التخلص منها، والمدة الكافية للقيام بذلك، تذكّر دائمًا أنه ليس من حقك أبدًا الحكم على نفسك بأي شيء سلبيّ لمجرد أنها حادت عن طريقها الصحيح لمرة أو أكثر، ليس من حقك تعنيفها وجلدها ورميها بالفشل.
احترم ضعفك البشريّ، وبدلًا من تعنيفها قم بمراقبة عاداتك السيئة ووقت حدوثها، وعدد مرات حدوثها، وأسباب اقترافك لتلك العادة، والمشاعر المصاحبة لممارستها، وبعد ذلك ضع الخطة للتغيير بناءً على ما سبق ذكره من الخطوات اللازم عملها للتخلص من العادات السيئة.
كن حنونًا مع نفسك وعاملها كطفل صغير، و سلِّم بضعفها البشري، تكن مطواعتًا لك، و قبل ذلك كله استعن بالله على إصلاح نفسك وترويضها وتجميلها.